قراءة نقدية في آخر بيان صحفي لبرهان غليون:
في يوم 2011/12/31 قام السيد برهان غليون بنشر بيان سياسي تحت رقم 2011/31 أوضح فيه كما زعم مشروع الرؤى بين المجلس الوطني وهيئة التنسيق الوطنية وابتدأه مشكورا بالترحم على الشهداء طالبا الشفاء للجرحى والفرج للمعتقلين السياسيين في سجون النظام الأسدي.
الحقيقة وبصفتي مطلع عن كثب على مجريات الأمور بما أنني عضو بالمكتب التنفيذي لهيئة التنسيق الوطني المهجر، أردت فقط تفنيط هذا البيان وليس الرد عليه ، السبب الأول لأنني أود أن أوضح للمواطنين السوريين وللمتابعين “الحقيقة” التي أنكرها غليون عبر بيانه وعبر لقاءاته التلفزيونية المختلفة ، حيث أعطيت له عبر إعلام الخليج وبصورة فورية مساحات كريمة جدا دون حتى أن يلقى عناء مجابهة الطرف الآخر علما أننا اتصلنا بقناة الجزيرة للمشاركة فلم يسمحوا لنا وفضلوا ـ كما تملي عليهم مهنيتهم العالية ومصداقيتهم الفريدة ـ أن يستضيفوا اثنين من المجلس الوطني برهان غليون ورضوان زيادة. أما السبب الثاني فيعود لأن هيئة التنسيق الوطنية تتعامل مع الأمور وترد على المجريات والأحداث عبر تنظيم وتشاور وتصويت.
اعتبر السيد غليون ومع أول الكلمات التي استخدمها بوصف “الرؤية المشتركة” أنها “مسودة” وأنها “ليست اتفاقا نهائيا” وكان من المفروض أن تعرض على الأمانة العامة للمجلس وعلى المكتب التنفيذي للهيئة ، واعتبر أن الهيئة قامت “بتسريب” الوثيقة كاتفاق نهائي وأنها “خرقت” مشروع التفاهم المحتمل ، لكنه اعترف ـ ونحمد الله على ذلك ـ على أنها وثيقة “.. جاءت بعد مناقشات طويلة قام بها أعضاء من الأمانة العامة للمجلس الوطني و هيئة التنسيق الوطنية , نذكر منهم ( الاستاذ أحمد رمضان , الاستاذ أنس العبدة , الأستاذ نجيب الغضبان , الأستاذ وائل ميرزا , الأستاذة بسمة قضماني .. )…” .
وهنا نبدأ فنقول التالي:
أولا: كذب برهان غليون عندما سمى الاتفاق الذي وقعه “مسودة” لأنه وكما تلاحظون في الملف المرفق لصورة الاتفاق الأصلي، نقرأ في أعلى الوثيقة هذه الجملة: “ نص الاتفاق بين هيئة التنسيق الوطنية والمجلس الوطني” ، وأركز على “نص الاتفاق” مع أل التعريف ، أي أنه اتفاق نهائي وليس اتفاق من ضمن اتفاقات ، وإلا لكتبوا “نص اتفاق”.
ثانيا: للذي لا يعلم فإن السيد برهان غليون لم يذهب للقاهرة طيلة فترة المفاوضات مع هيئة التنسيق حيث قام المجلس الوطني بايكال مهمة التفاوض والحوار إلى لجنة ذكر السيد غليون بعض أسماء المشاركين بها في البيان نفسه ، أي أنه هو بنفسه يؤكد على أنه لم يكن طرفا مباشرا في الحوار مع الهيئة ، وعليه هل قام السيد غليون ـ بجلالة قدره وفخامته ـ وبصفته رئيسا للمجلس الموقر ـ رغم أنه ليس عضوا بلجنة الحوار ـ بالذهاب إلى القاهرة بعد حوالي 40 يوما من النقاش لتوقيع “مسودة” ؟
ثالثا: للذي لا يعلم فإن هذه الوثيقة كانت قد حررت كمسودة فعلا وهي ذاتها تناقلتها وسائل الإعـلام قبل حوالي الأسبوعين أو أكثر ، إذن ما سر طعن السيد غليون بعملية “تسريب” من قبل الهيئة ؟ وإذا كان يخشى السيد غليون من تسريب الوثيقة لماذا يترك نسخة عنها بيد رجال الهيئة “الخونة” ـ كما يصفهم بعض رجال المجلس الموقر ـ لماذا وقعها ولماذا تركها بيد “الخونة” ؟ ولماذا لم يدرج ضمن بنودها هذا الشرط أي عدم التسريب ؟ ولماذا لم يعنونها بطريقة مختلفة أي “مسودة اتفاق” وهو دكتور في الجامعة وعلى قدر من الوعي والعلم؟
رابعا: هل يعقل بالنسبة للعاقل أو المجنون أن يقوم رئيس مجلس أو هيئة أو أي تنظيم كان بالذهاب إلى القاهرة لمدة يوم واحد فيوقع “مسودة” كانت يجب أن تعرض على الأمانة العامة للمجلس وعلى المكتب التنفيذي للهيئة ؟ إذن ما هو سر جملة غليون نفسه التي أوردها ببيانه والتي تقول أن الوثيقة “جاءت بعد مناقشات طويلة قام بها أعضاء من الأمانة العامة للمجلس الوطني و هيئة التنسيق الوطنية” ؟ ومن ثم يخرج لنا أعضاء من المجلس الوطني الذين شاركوا بتحريرها على الإعلام ليقولوا أن لا علم لهم بالوثيقة أو أنها كانت يجب أن تعود إليهم وهم من شاركوا بانتاجها ، وأن غليون لا يملك أي تفويض بالتوقيع وهو رئيس المجلس ؟ إذن من يكذّب من ؟ غليون يكذب أمانته العامة أم أمانته العامة تكذبه؟ وهل يعقل أن يقوم رئيس المجلس بخرق نظام مجلسه وأمانته العامة فيتصرف من رأسه بهذه السطحية واللامبالاة علما أن الجميع يعلم أن السيد غليون لا يتعدى كونه واجهة تجميلية للمجلس، ولها وظيفة مؤقتة إذ ليس له حتى مجرد القدرة على القرار أو التصريح أو التوقيع ضمن تشكيلة ذات طابع ونفوذ اسلامي بغالبته؟ نلاحظ هذا بحسب ما جاء على لسان أنس العبدة نفسه إذ قال :”أن غليون غير مفوض أو مخول أن يوقع حتى بالأحرف الأولى من اسمه وكان يجب أن يعود للأمانة العامة”.
خامسا: كذب برهان غليون حينما قال أن “هذاالمشروع يأتي تلبية لطلب جامعة الدول العربية في توحيد رؤية المعارضة لتقديمها إلى مؤتمر المعارضة السورية الذي سيضم المجلس الوطني و هيئة التنسيق الوطنية و كافة أطياف المعارضة السورية , و ضمن هذا المؤتمر يمكن قبول أو رفض هذا المشروع” لأنه وببساطة كان من المستحيل عقد مؤتمر دون اتفاق مسبق بين جميع أطياف المعارضة وهذا منطقي سواء من وجهة نظر سياسية بحتة وسواء من وجهة نظر تنظيمية وسواء من وجهة نظر الجامعة العربية ، إضافة إلى ذلك فقد قام السيد برهان غليون بالتدليل عبر هذه الجملة وكأن الجامعة ضغطت على المجلس من أجل الحوار مع طرف المعارضة الآخر، وأن هذا ليس من أولوياته كمجلس يفترض أن يبحث بشتى الوسائل على وحدة المعارضة قبل أية ضغوط من أي جانب كان ، بالرغم من أن الجامعة لم تمارس ضغوطا من أي نوع على أية جهة.
سادسا: لا نعلم حقيقة بعد توقيع غليون على البيان مدى وعيه وقدرته السياسية قبل كل شيء، بغض النظر إذا كان له وزن حقيقي في المجلس بصفته رئيسا أم لا ، ولا نعلم كيف يقوم دكتور جامعي بقسم الفلسفة ومؤلف لعدة كتب في الاجتماع والسياسة والفكر بالوقوع بأخطاء قاتلة ، وأن يكون متناقضا مع ذاته بأفعاله وأقواله بهذه الصورة ، نستشهد على هذا بما أعلنه في بيانه عن “بند رفض التدخل الأجنبي , فإننا نبين نحن نرفض التدخل الأجنبي البري الذي من شأنه المساس بوحدة واستقلال الأراضي السورية ، ونوافق على التدخل الأجنبي الذي يفرض مناطق عازلة تحت حظر جوي وبحري وهذا هو ركيزة أساسية من مطالب الحراك الثوري في المجلس الوطني والشارع السوري.” وهنا نقول: أيعقل أن يقوم استاذا جامعيا بتوقيع ورقة مناقضة لكل الذي ذكره بعد ساعات من توقيعها؟ نص الاتفاق مع الهيئة كان صريحا جدا حيث جاء فيه حسب المرفق الأصلي الآتي: “رفض أي تدخل عسكري أجنبي يمس بسيادة واستقلال البلاد.” وهل الحظر الجوي والمناطق العازلة والتي لا يمكن أن يتم خلقها بدون قوى برية خارجية لا تمس سيادة واستقلال البلاد؟ أي تناقض هذا الذي يعيشه أستاذ الفلسفة؟ أي تناقض في المنطق والتصرف هذا الذي يعيشه أستاذ المنطق؟ ألا يحق لنا والحالة هذه أن نسأل سؤالا أكثر من شرعي : هل يملك السيد غليون نفسه ؟ هل يملك رجالات المجلس أنفسهم ؟ أم هم جميعا خاضعون للعبة ضغوط مختلفة في الاتجاهات والقوى ؟
سابعا: كذب السيد غليون كذلك عندما قال في بيانه:”إن كون هيئة التنسيق الوطنية جسد ليس له أرضية شعبية واسعة في الشارع السوري فإن موافقة هيئة التنسيق على هذا التفصيل يعني انشقاقاً سياسياً من طرفها عن النظام السوري وضربة ذات ثقل ضد النظام السوري ومحاولة لعزله سياسيا واثباتاً من الهيئة على ممارستها الحقيقية لإسقاط النظام السوري.” وهنا نسأل أنفسنا ونسألكم جميعا: ألم يكن السيد غليون نفسه من مؤسسي هيئة التنسيق ومن الموقعين الأوائل على بيانها التأسيسي الذي لم يتغير منه فاصلة حتى هذه اللحظة؟ ألم يكن السيد غليون نائبا لرئيس الهيئة في الخارج وحتى أوائل شهر أيلول المنصرم ؟ وأنا شخصيا من الذين اتصلوا به عدة مرات وأكد لي على انه لن يترك الهيئة قبل يومين من اجتماع استانبول ، أي منذ حوالي ثلاثة أشهر فقط ، وهل كان السيد غليون موافقا وشريكا للهيئة في التصاقها بالنظام طيلة ستة أشهر؟ ماذا يقصد السيد غليون بهذه الجملة المريبة والخبيثة ؟ الصاق التهمة بالهيئة على أنها كانت مرابية للنظام وقد قام هو البطل المقدام بتوقيع “مسودة” معها لسحبها لصالح الحراك ؟ طيب ، إذا كان الحال كهذا فلماذا قام بتوقيع مسودة نصت في كل بنودها على ما كانت تطالب به الهيئة منذ تأسيسها ولم تغيره حتى الآن ؟ من جرّ الآخر؟ وإذا كانت الحال كهذه لماذا لم يغير قيد أنملة مما وقع عليه ولا يتناسب مع ما يطالب به صقور المجلس ـ وهو على رأسهم ـ قبل التوقيع؟ نحن ربما نصدق زعم استاذ المنطق في تلك العبارة إن كان متماسكا في داخله وإن كان فعلا قادرا على قول ما بنفسه وما يريده وإن لم يكن التناقض التام في شخصيته وفي تصريحاته لم يصل إلى درجة خطيرة.
وأريد أن أتوقف أيضا عند عبارة “أن هيئة التنسيق الوطنية هي جسد بدون أرضية شعبية واسعة” فأقول: استاذ المنطق يعلم جيدا مكونات الهيئة وأحزابها وأخص بالذكر قسم من الشعب الكردي السوري الذي وبأغلبيته القصوى هو ممثل فعلا بهيئة التنسيق مع حوالي 17 حزبا من بينهم أيضا التيار الاسلامي المعتدل ، إضافة إلى كثير من رجال الحراك وقياداته التي إما قتلت أو سجنت أو نفيت بطريقة ممنهجة ومقصودة لجعل الشارع يسير دونما توجيه ويطلب أن يأتي الشيطان بدلا من نظام الأسد الفاشي. لا أعلم حقيقة على أي عملية استفتاء شعبي استند السيد غليون وهو الذي انتخب هو ومجلسه افتراضيا على الفيس بوك الذي يحتوي على أسماء مستعارة أكثر من الحقيقية ، والذي يصوت على استطلاعاته الخليجي والسوري والتركي والعربي والاسرائيلي بطريقة متساوية. أم هو استند إلى دعم الإعلام الخليجي له كونه يمثل المجلس الذي سيكون له دور مهم في وضع اسفين بقلب الثورة التي إن نجحت سوف تهدد عروش البترول ومشيخاته ؟ إلى أي استفتاء استند استاذ علم الاجتماع ؟ إلى الطبقة الصامتة التي ما زالت تتجاوز الـ 60% من الشعب السوري ؟ أم هو لا يقيم لها أي حساب أو وزن ؟ ليعلم سيد علم المنطق والاجتماع أن القسم الأكبر من هذه الطبقة التي كانت تشاور نفسها بشأن الانضمام للثورة أو التزام البيت خوفا من المجهول ، قد حسم أمره بسبب ما ينادي به هو ومجلسه ، من عسكرة للثورة وطلب تدخل خارجي من القوى التي ليس لها في الذاكرة التاريخية العربية قاطبة أية مصداقية ، ومتناسيا فوق كل شيء أننا نحاذي أعتى قواعد الغرب قوة وصهيونة وهي دولة اسرائيل.
الحقيقة أنا لا أرى في هذه العبارة إلا عدم مسؤولية وعدم قدرة على فهم أبسط قواعد السياسة والدبلوماسية ، ولا أرى إلا رجلا يحاول التنصل مما جارت عليه نفسه بشتى الوسائل ، كطفل صغير يحاول دفع اللوم عنه كيفما كان بمنطق أو بغير منطق خشية العقاب. ما الذي يخشاه غليون وهل يملك نفسه فعلا؟
ثامنا: قال السيد غليون كذلك : “تعليقاً على بند رفض التدخل الأجنبي , فإننا نبين نحن نرفض التدخل الأجنبي البري الذي من شأنه المساس بوحدة واستقلال الأراضي السورية ، ونوافق على التدخل الأجنبي الذي يفرض مناطق عازلة تحت حظر جوي وبحري وهذا هو ركيزة أساسية من مطالب الحراك الثوري في المجلس الوطني والشارع السوري.” وهنا نقول ثانية: أي تناقض مريض هذا ؟ كيف يمكن معارضة تدخل أجنبي بري مع فرض مناطق عازلة ؟ ومن يستطيع فرض مناطق عازلة في سورية ـ والتي تختلف اختلافا جوهريا عن الحالة الليبية ـ بدون تدخل عسكري بري؟ وكيف يمكننا القبول بحظر جوي مع تمسكنا بشرط وحدة واستقلال الأراضي السورية ؟ هل من بينكم أحدا قادرا على إيضاح منطق أستاذ المنطق ؟ طيب ، نريد ها هنا أن نسأل الجميع ثانية على ماذا استند ثانية استاذ المنطق بأن هذا هو مطلب من مطالب الحراك الثوري؟ ـ والذي برأيي يتناقض حتى مع أبسط مفاهيم وأخلاقيات الثورات التي تريد فعلا تغيير المجتمع من جذوره وأستاذ علم الاجتماع يعلم ذلك ـ من قال أن كل الحراك في سورية يطلب هذا؟ الجزيرة بتلك اللافتات مسبقة الدفع ؟ العربية بكل أكاذيبها ؟ الإعلام الخليجي والغربي ؟ من ؟ كيف يمكن لمجلس لا يملك ولا حتى كادر قيادي واحد بين الحراك أن يقول ويدعي أن الحراك يريد هذا ؟ أم هي صفحة الثورة السورية على الفيس بوك والتي يتم اختيار أيام الجمع فيها حسب ما يريده بعض أشخاص لا غير وفوق هذا مدارة بكاملها من الخارج ومن قبل جماعات معينة ومعروفة بالإسم؟
والآن يحق لنا ومنطقي أن نسأل من يكذبون على الشارع ويتلاعبون بآلامه ومشاعره: أين يتخيلون المنطقة العازلة ومن سوف يشرف عليها ؟ إذا درسنا الوضع الإقليمي والسياسي فلن نجد إلا الشمال السوري كمرشح وحيد لمثل هذا المشروع ، ولن نجد غير تركيا دولة مرشحة للقيام بهذا الدور، أولا لأنها تنتمي للناتو ، ثانيا لأنها هي من خلقت ورعت المجلس الوطني بتمويل خليجي كريم جدا ، وثالثا لوجود حزب إردوغان الإسلامي وحلمه بعثمنة المنطقة العربية عبر الإخوان المسلمين الذين يشكلون المحرك الأساسي والقوة الفاعلة في المجلس الوطني ، ورابعا لعلم الاخوان المسلمين الأكيد أنهم لن يستطيعوا أبدا الوصول إلى السلطة في سوريا إلا على ظهر الدبابة. إذن يحق لنا أن نتساءل مجددا: وأين سيكون ملايين من الأكراد السوريين إن كتب لهذا المشروع أن يتحقق ؟ من يستطيع أن يجزم لنا أنهم ـ رغم وطنيتهم العالية واخلاصهم لها ـ أنهم لن يطالبوا بالانفصال أسوة بأكراد تركيا ؟ ومن يستطيع أن يتكهن ويجزم لنا بأنهم سوف يكونوا من المحايدين بعد هكذا تدخل بدعم كان أم بغيره ؟ وها هنا نسأل ثانية أين تذهب عبارة المساس بوحدة واستقلال الأراضي السورية التي تكلم عنها استاذ المنطق والاجتماع؟
تاسعا: : لقد أورد كذلك السيد غليون التالي :” أؤكد على دعمي الكامل أنا و المجلس الوطني للجيش الحر و هو موقف ثابت لامجال لتغييره” ، لكنه وللأسف لم يصف ولم يوضح ماهية الدعم الذي يريده للجيش السوري الحر مع العلم أن لجنة الحوار التي كانت تفاوض هيئة التنسيق أقرت بوجوب دعم الجيش السوري الحر فقط في حال التزامه بعملية الدفاع عن المتظاهرين السلميين وعدم تبنيه لعمليات هجومية ضد الجيش السوري الذي هو أولا وأخيرا جزء من الشعب السوري ويجب الحفاظ عليه ، إلا أن لجنة الحوار رفضت أن تكتب هذا صراحة واستبدلته بالعبارة الواردة بالاتفاق الموقع الذي هو لب القضية. ومن هنا نعود إلى لعبة الألفاظ والوعود التي يمارسها المجلس مع علمه الأكيد باستحالة وصعوبة ما يعد به ، وكأنهم يمارسون لعبة انتخابية يكون الكذب فيها مشروعا للحصول على أصوات من شعب يتألم ويئن ويثق بالوهم لأنه يريد الخلاص السريع.
عاشرا: وأخيرا جاء في بيان المنطق التالي : “إنني أؤكد على ضرورة تدويل الملف السوري و تحويله إلى مجلس الأمن الدولي بأسرع وقت ممكن لأن دماء السوريين ليست مجالا للمفاوضات أو المساومات.” وهنا نتساءل مرة أخرى : على فرض أن هذا ممكن ـ بالرغم من أن روسيا صرحت أكثر من مرة وإلى مسامع غليون نفسه أنهم مستعدون لاستخدام الفيتو 20 مرة لحماية النظام ـ كم هي نسبة من يعرفون بالقوانين الدولية في الشعب السوري الثائر؟ وكم هي نسبتهم الآن بعد أن أقصى النظام نخبتهم المثقفة في كل المدن الثائرة إما بالقتل أو بالسجن أو بالنفي ؟ وكم هي نسبة أولئك الذين يعرفون ماذا يعني الفصل السابع الذي ينظم عملية الحماية الدولية في كل الوطن العربي وليس في سوريا فقط ؟ كم من الناس في وطننا يعلم أن العراق وحتى هذه اللحظة لم يستطع الخروج من تحت أحكام هذا الفصل ؟ وكم هي نسبة الذين يعرفون أن رفع هذا الفصل عن دولة ما يحتاج إلى إجماع دول مجلس الأمن ؟ ولا يجب أن ننسى أن 5 منهم يتمتعون بحق الفيتو ثلاثة منهم لا تكن مشاعر ود للعرب.
مع كل هذا نسأل ثانية على أي دول يعتمد استاذ المنطق من أجل تحقيق حمايته المنشودة ؟ ومن هي القدرة القادرة فعلا على تطبيقها ؟ وهل تطبيقها لا يحتاج إلى تدخل عسكري مع العلم أن البند السابع يسمح باستخدام القوة ضد الدولة المعنية ؟ على أي دول يعتمد استاذ المنطق ؟ على تلك التي ما زالت تتنكر للقضايا العربية صبح مساء ؟ على تلك التي تدعم النظام الصهيوني بشتى الوسائل ؟ أم على تلك التي تغمض أعينها عن ثورتي اليمن والبحرين اكراما لحلفائهم الخليجيين ؟ أم أن رجال المجلس لم يعودوا يروا خريطة دولة اسرائيل في المنطقة ؟
وها هو استاذ المنطق يعود ليناقض أبسط قواعد المنطق ، يقول أن دماء السوريين ليست مجالا للمفاوضات ولا المساومات ، ونحن نشاركه هذا الرأي طبعا، لكن كيف يمكن لمجلس نشأ في الخارج وموّل من الخارج وترعاه عدة دول وقوى مختلفة أن يحقق سياساته التي يرمي إليها دون مساومات؟ الجهة الوحيدة التي لا يمكن لها أن تساوم هي تلك التي تمول ذاتيا ولا تخضع لأي قوى خارجية وفوق كل شيء لديها من أوراق سياسية ونقاط قوة يمكنها من خلالها التفاوض ، خصوصا وأن الطرف الآخر يملك كثيرا جدا من نقاط القوة ، إذن هل من أحد من أعضاء المجلس الوطني الموقر أن يقول لي أو أن يعلن بصدق وشفافية ما هي نقاط القوة التفاوضية التي يمكنه من خلالها التفاوض مع الغرب الذي يسيطر على مجلس الأمن كي لا يساوم على دماء السوريين ووطنهم؟ أنا أطلب أن يذكروا لي نقطة قوة واحدة؟ الحقيقة أنا لا أجدها ، وعليه فإن على المجلس مجبرا ربما لا مختارا أن يساوم من أجل تحقيق ما يصبو إليه ، إلا في حالة واحدة وهي أن نعتبر الغرب وربيبته اسرائيل مجموعة من البلهاء والمجانين الذين لا يحسنون استغلال الظرف ، أو أنهم يشعرون بعقدة الذنب تجاه العرب فيهرعوا لمساعدتهم مجانا ، أو أنهم اكتشفوا اكتشافا علميا جديدا يتعلق بعلم السلالات فوجدوا أن السوريين هم شعب الله المختار وتحتوى أجسامهم على حمض نووي إلهي.
من هنا أحب أن أذكر لمن لا يعرف اسباب قيام الغرب وعلى رأسه فرنسا “بتحرير” الشعب الليبي نصرة “لحقوق الإنسان” ، ليس للذكر لكن فقط للعبرة وللتفكير مليا قبل طلب ما يُطلب:
1ـ قام العقيد الأبله قبل الثورة التونسية باجبار شركة البترول الفرنسية “توتال” بدفع غرامة تقدر بـ 500 مليون دولار.
2ـ قرار السلطات في ليبيا تقسيم حصة الاستثمار في البترول الليبي بين أوروبا من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى بعد أن كانت 40% للجانب الأوروبي نسبة إلى 7% للجانب الصيني والروسي وهذا بالطبع أثار حفيظة الدول الغربية.
3ـ قام العقيد بفسخ عقد لشراء مقاتلات فرنسية يقدر بمليارات الدولارات واستبداله بعقد روسي .
4ـ استئثار ايطاليا بالقسم الأكبر من الاستثمارات التجارية في ليبيا نسبة لفرنسا بعد التعويضات التاريخية التي حصل عليها القذافي عن الاحتلال الايطالي ، وهذا أثار حفيظة الفرنسيين ، وهذا ايضا ما يبرر معارضة ايطالية لضربة عسكرية لنظام العقيد.
5ـ وهذا سبب ثانوي يتعلق بالإهانة التي وجهها القذافي لكل النظام الديمقراطي الأوروبي بعد حادثة ابنه في سويسرا وحصوله على ما طلبه حرفيا مع اعتذار رسمي ، إضافة لقبوله الوساطة الايطالية ورفضه تلك الفرنسية.
هذه هي أسباب التدخل العسكري لصالح “حقوق الإنسان” في ليبيا ، والآن لنبحث عن مثيلاتها في سوريا فلن نجد إلا استحالة حقيقية لتنفيذ أي شيء من هذا القبيل حتى وإن قام الخليج العربي بتمويل العملية العسكرية وهذا يعود لهذه الأسباب:
1ـ معارضة اسرائيلية لأي تغيير في النظام الحالي الذي ساهم في استقرار جبهتها الشمالية الشرقية طيلة عقود ، ومحافظته “المتوازنة” على لعبة الصراع التي أعطت لإسرائيل الغلبة الدائمة مع انعاش أسواق السلاح بشكل دوري، إضافة لحفاظه على استقرار بين أطراف المجتمع السوري لا يمكنه أبدا من قلب هذه الحالة ، وربما لهذا السبب قام الأخوان المسلمين بالآتصال بالصهاينة عبر برنارد ليفي من أجل تطمينهم على مستقبلهم ، ثم يخرج لنا السيد غليون ليقول لنا أنه لا يساوم.
2ـ الجميع يعلم أن اسرائيل هي قاعدة الغرب المتقدمة في الشرق ، لكن القليل يعلم أن لسوريا أهمية استراتيجية استثنائية لكل من الصين وروسيا ولا يمكنهما الاستغناء عنها أو المراهنة على ولائها ، وهنا يقع خطأ المجلس الوطني القاتل باستثارة مشاعر الكره بين الشعب السوري وعلى الصعيد العالمي ضد هاتين الدولتين ، إذ أن لهما ثقل كبير فيما سوف يحدث مستقبلا ولا يمكن تجاهله من أي سياسي محنك. إن سقطت سورية وخرجت من يد هاتين الدولتين هذا يعني أنهما أصبحتا عرضة مكشوفة غربا باتجاه تركيا واسرائيل وكلاهما في الناتو، ولهذا كانت وما زالت روسيا والصين تمد ايران وكوريا الشمالية بالقوة السياسية والعسكرية ، إذ على الغرب أن يجابه دولا أخرى قبل أن يجابههما.
3ـ تمثل سورية لإيران كما يعلم الجميع الذراع اليمنى إذ أنها مستعدة للتخلي عن جزء منها ولن تكون مستعدة للتخلي عن سورية وأي هجوم عليها يعد بمثابة هجوم على ايران.
4ـ إن قامت دول الخليج بتمويل أو بتشجيع أي نوع من أنواع التدخل العسكري في سورية فهذا يعني مباشرة دخولها في حرب بالسر أو بالعلن مع ايران.
5ـ هناك أوراق كثيرة ما زالت بيد النظام لم يلعبها لغاية هذه اللحظة ، تبدأ من لبنان وجنوبه ، إلى الأكراد ، إلى جبهة الجولان ، إلى أكراد تركيا ثم العراق والخليج العربي.
6ـ الطرف التركي الذي يعول عليه المجلس أثبت أنه غير جدي وغير نزيه وغير قادر أساسا على لعب دور حساس ، بل قاموا بالتصريح الرسمي أنه لا نية لديهم لفتح جبهة ضد سوريا من الشمال، بل تجاوزوا كل الحدود عندما سلموا العقيد “الهرموش” مقابل 8 من الأكراد. هذا وليعلم الجميع أن هناك صراع توازنات تركي داخلي لا يمكن المقامرة أو المغامرة به بالإضافة إلى اقتصاد ما زال بطور التنمية ولا أحد في تركيا يريد له أن يكبحه، خصوصا في ظل الأزمة المالية الخانقة التي يعيشها العالم ، بالإضافة إلى أن أي حرب سوف تقوم بها تركيا من الشمال السوري سيترتب عليها نتائج فادحة ومدمرة على التركيبة السياسية الأردوغانية الذي لم يحصل على أكثر من 51% بآخر انتخابات ، وكذلك على تركيبة المجتمع التركي ذاته وتوازناته الداخلية، إذ ستشكل الطائفة العلوية في لواء الاسكندرون فيه ثقلا مهما إضافة للأكراد. أضف إلى كل هذا النزاع التركي الفرنسي الحالي وما سوف يترتب عليه إن أرادت دول العالم أو الناتو خلق ائتلاف لتنفيذ أوهام المجلس الوطني.
مما سبق نستنتج أن أي عملية تدخل عسكري ، أي عملية حظر جوي أو مناطق عازلة ربما تحمل المنطقة بأسرها إلى حرب من أعنف حروبها طيلة تاريخها الإنساني والكل يعلم ذلك والكل لا يريد ذلك، وأبالغ وأقول أنها ربما أن تتحول أيضا إلى حرب عالمية ثالثة ، وعليه فمن ينادي بالحماية أو التدخل ـ وهما عمليا نفس الشيء ـ ليحاول الحصول على تأييد شعب جريح تواق للخلاص السريع لا يقوم إلا ببيع أوهام وسرابات ، لأن هذا السيناريو مستحيل تماما في الوقت الراهن على الأقل.
ولأستاذ المنطق نقول أننا نعلم أنه ومجلسه الموقر يعلمان كل هذا جيدا، لكننا نأسف فعلا ولا نستطيع أن نتصور أن هناك من السوريين ممن يدعون تمثيل الشعب وثورته لا يملـّون من ممارسة الألعاب السياسية في حملة انتخابية من صنع أوهامهم وسراباتهم ، وفي وقت يموت فيه ويعتقل ويشرد أبناء وطننا.
إلى استاذ المنطق نقول: لقد جربناك في قطر ورأيناك تتنكر لاتفاقات وقعتها وقمت بالتصويت عليها ايجابيا، فلا عجب ، من أدار بظهره لمصلحة الشعب والشارع مرة ولأسباب حتى هذه اللحظة غامضة ومبهمة يستطيع أن يفعلها مرات ومرات وأن يتنصل من كل مسؤولية، إلا أن التاريخ شاهد لا يرحم ونحن شهود ونعد بأننا لن نتورع أبدا عن فضح أي محاولات لرهن الوطن والالتفاف على أحلام شعبنا وأجياله المقبلة.
ختاما نقول أن الشعب السوري يخوض ثورة لا أنزه ولا أشرف إن هي حافظت على أخلاقياتها ، لأنها أيضا ثورة أعتبرها ضد العالم بأسره وضد كل توازناته ، أملنا الوحيد أن يبقى هذا الشعب الرائع متماسكا ومتمسكا بسلميته وأخلاقه الفطرية ، وأن يعتمد قبل كل شيء على نفسه ، لأننا نود أن يسجل التاريخ أننا قمنا بثورتنا وانتصرنا على كل العالم وحيدين دون مساعدة من أحد وخصوصا الغرب وتناقضاته وفظاعاته ، أو الخليج ومشيخاته الدكتاتورية المقيتة ، كلنا ثقة بأن الشعب السوري قادر على معرفة حقائق الأمور، والتمييز بين الناضلين والمراهنين ، لقد كتب أحد الأصدقاء الأعزاء بعد ما حدث قائلا: “إثنان متضرران من إتفاق القاهرة بين قطبي المعارضة السورية ويسعيان لتخريبه : هو من إرتبط تاريخه وسلوكه بأجندات الخارج المتربص ، ومن إحتل منصب أو موقع في تشكيلات المعارضة من دون سيرة سياسية ونضالية مؤهلة.”
أسامة معذى الطويل عضو المكتب التنفيذي لهيئة التنسيق الوطنية المهجر
01-01-2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق